فصل: الخبر عن انتقاض العزفي بسبتة ومنازلته ثم مصيرها إلى طاعة السلطان بعد مهلكه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن نكبة منديل الكتاني ومقتله:

كان أبوه محمد بن محمد الكتاني من علية الكتاب بدولة الموحدين ونزع من مراكش عندما انحل نظام بنى عبد المؤمن وانفض جمعهم إلى مكناسة فأوطنها في إيالة بني مرين واتصل بالسلطان يعقوب بن عبد الحق فصحبه فيمن كان يثائر على صحابته من أعلام المغرب وسفر عنه إلى الملوك كما ذكرنا في سفارته إلى المستنصر سنة خمس وستين وستمائة وهلك السلطان يعقوب بن عبد الحق فازداد الكتاني عند ابنه يوسف بن يعقوب حظوة ومكانه إلى أن سخطه ونكبه سنة سبع وسنين وستمائة وأقصاه من يومئذ وهلك في حال سخطته وبقي من بعده ابنه منديل هذا في جملة السلطان أبي يعقوب متبرما بمقام عبد الله بن أبي مدين المستولى على قهرمة دار السلطان ومخالصته في خلواته مغضيا لذلك متوقعا النكبة في أكثر أيامه مضطرمة له بالحسد جوانحه مع ما كان عليه من القيام كل حسبان الديوان عرف فيه بسبقه وتشابه صديقه وعدوه ولما تغلب السلطان على ضواحي شلف ومغراوة واستعمل على حسبان الجباية وجعل إليه ديوان العسكر هنالك وإلى نظره اعتراضهم وتمحيصهم فنزل على مليانة مع من كان هنالك من الأمراء مثل علي بن محمد الخيري والحسن بن على بن أبي الطلاق العسكري إلى أن هلك السلطان أبو يعقوب ورجع أبو ثابت البلاد إلى أبي زيان وأخيه أبي حمو فخف عليهما وحلا بعيونهما واستبلغا في تكريمه وانصرف إلى مغربه وكان معسكر السلطان يوسف بن يعقوب على تلمسان قد صحب أخاه أبا سعيد عثمان بن يعقوب في حال خموله وتأكدت بينهما الخلة التي رعاها له السلطان أبو سعيد فلما ولي أمر المغرب مت بذلك إليه فعرفه له واختصه وخالصه وجعل إليه وضع علامته وحسبان جبايته ومستخلص أحواله والمفاوضة بذات صدره ورفع مجلسه في بسائطه وقدمه على خاصته وكان كثير الطاعة للأمير أبي علي ابنه المتغلب على أبيه قبل أول أمره ولما استبد وخلع أباه انحاش منديل هذا إليه ثم نزع عنه حين تبتين اختلال أمره وكان الأمير أبو الحسن يحقد عليه ولاية أخيه أبي علي لما كان بينهما من المنافسة وكان كثيرا ما يوغر صدره بإبحاب حق عمر عليه وامتهانه في خدمته وطوى له على النث حق إذا انفرد بمجلس أبيه وفصل عمر إلى سجلماسة أحكم السعاية فيه والحاح في الهلكة التي أحكم السلطان عليها أذنا واعية حتى تأذن الله بإهلاكه وكان منديل هذا كثيرا ما يغضب السلطان في المحاورة والخطاب دالة عليه وكبرا فاعتد عليه من ذلك كلمات وأحوالا وسخطه سنة ثمان عشرة وسبعمائة وأذن لابنه الأمير أبي الحسن في نكبته فاعتقله واستصفى أمواله وطوى ديوانه وامتحنه أياما ثم قتله بمحبسه خنقا ويقال جوعا وذهب مثلا في الغابرين والله خير الوارثين.

.الخبر عن انتقاض العزفي بسبتة ومنازلته ثم مصيرها إلى طاعة السلطان بعد مهلكه:

كان بنو العزفي لما تغلب عليهم الرئيس أبو سعيد ونقلهم إلى غرناطة سنة خمس وسبعمائة استقروا بها في إيالة المخلوع ثالث ملوك بنى الأحمر حتى إذا استولى السلطان أبو الربيع على سيتة سنه تسع وسبعمائة أذنوه في الإجازه إلى المغرب فأجازوا إلى فاس فاستقروا بها وكان يحيى وعبد الرحمن ابنا أبي طالب من سراتهم وكبارهم وكانوا يغشون مجالس أهل العلم لما كانوا عليه من انتحال الطلب وكان أبو سعيد أيام إمارة بني أبيه يجالس بالمسجد الجامع القرويين شيخ الفتيا أبا الحسن الصغير وكان يحيى بن أبي طالب يلازمه فاتصل به وصارت له وسيلة يحتسبها عنده فلما ولي الأمر واستقل به رعى لهم زمام صحابتهم ووفى لهم مقاصدهم وعقد ليحيى على سبتة ورجعهم إلى مقر إمارتهم منها ومحل رياستهم فارتحلوا إليها سنة عشر وسبعمائة وأقاموا دعوة السلطان أبي سعيد والتزموا طاعته ثم تغلب الأمير أبو على علي أمر أبيه واستبد عليه فعقد على سبتة لأبي زكريا حيون بن أيي العلاء القرشي وعزل يحيى بن أبي طالب عنها واستقدمه إلى فاس فقدمها هو وأبوه أبو طالب وعمه حاتم واستقروا في جملة السلطان وهلك أبو طالب بفاس خلا ل ذلك حتى إذا كان من خروج الأمير أبي علي على أبيه ما قدمناه لحق يحيى بن أبي طاب وأخوه بالسلطان نازعين من جملة الأمير أبي علي فلما اعتل بالبلد الجديد ونازله السلطان بها فحينئذ عقد السلطان ليحيى بن أبي طالب على سبتة وبعثه إليها ليقيم دعوت بتلك الجهات وتمسك بابنه محمد رهنا على طاعته فاستقل بإمارتها وأقام دعوة السلطان وطاعته بها وأخذ بيعته على الناس واتصل ذلك سنتين وهلك عمه أبو حاتم هنالك بعد مرجعه معه من المغرب سنة ست عشرة وسبعمائة ثم انتقض على طاعة السلطان ونبذ طاعة الأمراء ورجع إلى حال سلفه من أمر الشورى في البلد واستقدم من الأندلس عبد الحق بن عثمان فقدم عليه وعقد له على الحرب ليفرق الكلمة به ويوهن ببأسه عزائم السلطان في مطالبته وجهز السلطان إليه العساكر من بنى مرين وعقد كل حربه للوزير إبراهيم بن عيسى فزحف إليه وحاصره وتعلل عليهم بطلب ابنه فبعث به السلطان إلى وزيره إبراهيم ليعطي طاعته فيسلمه وجاءه الخبر من عيون كانت بالعسكر وأن ابنه كائن بفسطاط الوزير بساحة البحر بحيث تتأتى الفرصة في أخذه فبيت المعسكر وهجم عبد الحق بن عثمان بحشمه وذويه على فسطاط الوزير فاحتمله إلى أبيه وركبت العساكر للهيعة فلم يقفوا عل خبر حتى تفقد الوزير ابن العزفي واتهموا قائدهم إبراهيم بن عيسى الوزير بممالأة العدو على ذلك فاجتمعت مشيختهم وتقبضوا عليه وحملوه إلى السلطان ابتلاء للطاعة واستبصارا في نصع السلطان فشكر لهم وأطلق وزيره لابتلاء نصيحته ورغب يحيى بن العزفي بعدها في رضى السلطان وولايته ونهض السلطان سنة تسع عشرة وسبعمائة إلى طنجة لاختبار طاعته فعقد له على سبتة واشترط هو على نفسه الوفاة لجباية السلطان وأسنى هديته في كل سنة واستمرت الحال على ذلك إلى أن هلك يحيى العزفي سنة عشرين وسبعمائة وقام بالأمر بعده ابنه محمد إلى نظر عمه محمد بن علي بن الفتيه أبي القاسم شيخ قرابتهم وكان قائد الأساطيل بسبتة وولي النظر فيها بعد أن نزع القائد يحيى الرنداحي إلى الأندلس واختلف الغوغاء بسبتة وانتهز السلطان الفرصة فأجمع على النهوض إليها سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وبادروا بايتاء طاعتهم وعجز محمد ابن يحيى عن المناهضة وظنها محمد بن عيسى من نفسه فتعرض للأمر في أوغاد من اللفيف فاجتمعوا إليه ودافعهم الملأ عن ذلك وحملوهم على الطاعة واقتادوا بني العزفي إلى السلطان فانقادوا واحتل السلطان بقصبة سبتة وثقف جهاتها ورم منثلمها وأصلح خللها واستعمل كبار رجالاته وخواص مجلسه في أعمالها فعقد لحاجبه عامر بن فتح الله الصدراتي على حاميتها وعقد لأبي القاسم بن أبي مدين على جبايتها والنظر في مبانيها وإخراج الأموال للنفقات فيها وأسنى جوائز الملأ من مشيختها ووفر أقطاعاتهم وجراياتهم وأوعز ببناء البلد المسمى أفراك على سبتة فشرعوا في بنائها سنة تسع وعشرين وسبعمائة وانكفأ راجعا إلى حضرته والله تعالى أعلم.